آخبار عاجل

مآسي الإنجاب العشوائي بقلم : سلوى المؤيد

07 - 06 - 2019 9:57 1887

أشد ما يؤلمني رؤية الطفولة البائسة ممثلة في أطفال يعيشون في ظل الفقر والجهل والإهمال ، القذارة تعلو ملامحهم وتدل على بعد المساحة الزمنية بين كل استحمام وآخر، ملابسهم متسخة ولا تفارق أجسادهم بالأيام ، لا يعرفون معنى الوجبات الغذائية الصحية ، مكدسون في غرفة واحدة صغيرة لا يملك الواحد منهم إلا مساحة صغيرة لاتتسع لسرير ينام عليه فيتكوم على مرتبة فوق أرض خشنة تعود جسده عليها لأنه لا يعرف غيرها .


هذه صورة مؤلمة للطفولة المحرومة البائسة وقد رأيتها ماثلة أمامي وأنا أزور عائلة فقيرة مكونة من عشرة أفراد الأب والأم وثمانية أبناء .


قلت للأب متسائلة: ثمانية أبناء وراتبك لا يزيد عن 120 ديناراً، كيف تنفق على هذه العائلة الكبيرة ؟


أجاب باستسلام قدري يدل على الجهل : " كل طفل يأتي ورزقه معه "


قلت له : " لكن الله سبحانه وتعالى لا يقبل أن نعذب أطفالنا بالفقر والحرمان أن الله يريد منا أن نعد لهم حياة مريحة قبل أن نفكر في إنجابهم "


رد قائلاً " الله كريم وأهل الخير كثيرون " وهل ننجب أبناءنا معتمدين على صدقة أهل الخير ؟


احترت بماذا أجيبه ، الجهل يمسح بضبابه الأسود على تفكيره فلا يدرك البؤس والحرمان، الذي يعيشه هو وعائلته الكبيرة .


التف حولنا أبناؤه، أكبرهم لا يتجاوز السادسة عشرة، وهو معوق، وأصغرهم لا يزيد عمره عن السنة والنصف.

سألته عن أمهم، فأشار إلى كومة مغطاة ببطانية ،

" أمهم مريضة منذ زمن ، وهى تعاني من مرض عقلي"

وتساءلت بألم .

" مرض عقلي، وثمانية أبناء، كيف يمكنها أن تربيهم ؟ "


أجابت الابنة التي لا يزيد سنها عن أربعة عشر عاماً: " أنا أهتم بأخواتي "


تأملتها ، جميلة رقيقة ، لا تدرك قسوة حياتها قياساً بفتيات من سنها ، المقبلات على الحياة بمرح وتفاؤل وسط اهتمام آبائهم وتوفير الحياة المريحة لهم ، أخ على كتفها ، وآخر يمسك بتلابيب ثيابها ، مكبلة بالتربية والمسئولية في هذه السن الصغيرة ، بسبب جهل والديها .


وأكمل الأب والإرهاق باد في نبراته : " وأنا أخدمهم بعد عودتي من العمل "


ما الذي يرغمه على أن يعمل طوال النهار في وظيفته والبيت مختنقاً بالمسئولية لكي يطعم ويكسو ثمانية أبناء ؟ ، ماذا بقى من جهده لكي يربيهم ،؟ ودارت عيناي في المكان ، بيت سمي جزافاً ببيت ، لكنه غرفتان قديمتان لا يوجد فيهما سوى بساط وفرش بغرض استعمالهما للنوم عليهما وتليفزيون يعلم الله من منحهم إياه لتسليتهم وسط هموم عيشهم .


سألت أحد أطفاله : "هل تذهب إلى المدرسة ؟"

لم يجبني ولكن ضحك بسذاجة .


قال لي الأب ، " لن يجيبك الولد ، لأنه معاق عقلياً " .


طفلان معوقان من ثمانية أطفال ، بسبب إعاقة الأم العقلية والفقر وسوء التغذية ، والأطفال يأتون إلى الحياة في ظل هذا الجهل طفل وراء الآخر ، فتصيب الإعاقة العقلية من تصيب ، دون أن يجد هذان الوالدان توعية من المسئولين في وزارة العمل والشئون الاجتماعية بضرورة توقفهم عن الإنجاب حتى لا يضيفون إلى عالم المعوقين عقلياً أطفالاً آخرين يتعذبون ويعذبون آبائهم ويصبحون عالة على المجتمع.


ترى ما فائدة جهود جمعية تنظيم الأسرة بإقامة الندوات بمقر الجمعية يحضرها أشخاص متعلمون ومثقفون؟ ما جدوى أن نكتب في الصحف ، إذا كان أمثال هذا الأب لا يقرؤون .


إننا بحاجة إلى جهود رسمية وأهلية تغزو العقول الجاهلة وتحاول أن تثبت فيها الوعي بضرورة إعداد الحياة المريحة للأبناء قبل إنجابهم. ما ذنب هؤلاء الأطفال وغيرهم كثيرون يعيشون في ظل الفقر والحرمان والإهمال ، ما دامت أسرهم غير قادرة على أن توفر لهم الحياة الكريمة؟ هل يكفى أن ننجب الأبناء لكي نرضى غرورنا كآباء بأننا قادرين على الإنجاب وماذا بعد ذلك ، الطفل بحاجه إلى تلبية احتياجاته الأساسية الجسدية وإلى الرعاية والاهتمام بميوله وإرشاده خصوصاً في ظل تعدد وسائل الإتصال ..هم بحاجة إلى من يوجههم نحو القيم الفاضلة وتحمل المسئولية ، فكيف يمكن للوالدان أن يوفرا هذه الاحتياجات وهما مرهقان يعملان طوال النهار لكي يلبيا احتياجات أطفالهم الجسدية فقط وربما لن يكونا قادرين حتى على تلبية هذه الاحتياجات بسبب ضعف الحالة المادية ،


لقد قرأت بألم إحدى حالات الأبناء المتسربين من المدارس ، فوجدت أن هذا الشاب من أسرة عدد أفرادها كبير والأب ضعيف الدخل ومتزوج من امرأتين ولديه من كل زوجة أبناء عديدون ورغم تفوق الشاب في المواد الرياضية والعلمية إلا أنه يهرب من المدرسة ليعاشر أصدقاء السوء ، وينام فوق سطح بيته دون أن يسأل والداه عنه، كيف يمكن لوالدين أن تغمض عيونهما والابن غير موجود في البيت، مهمل ، نائم فوق السطوح دون أن يعلم به أحد ، ماذا تتوقع لهذا الشاب من مستقبل غير الانحراف والسجون؟


ما فائدة أن ننجب ثمانية وعشرة أبناء معذبين مهملين معرضين للإ نحراف ؟ أليس من الأفضل إنجاب ثلثة أو أبعة أبناءء يجدون الرعاية والتعليم الجيد والإرشاد والاهتمام بمواهبهم لتكريسها مستقبلاً في بناء حضارة متقدمة لوطننا


ألم يذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم :" كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بإذن الله " والمعنى واضح هنا ، إن القلة المؤمنة الصالحة القوية أفضل من الكثرة الضعيفة الهزيلة، فأين التليفزيون الفعال في بث هذا الوعي الإنساني في المجتمع ، خصوصاً وأن هذه الأداة الإعلامية تدخل كل المنازل سواء في المدن أو القرى ، وماذا ينتظر المسئولون في وزارة العمل والشئون الاجتماعية ليقوموا بالتعاون مع الجهود الأهلية بوضع خطة مدروسة لإنشاء جيل قوي وسعيد في أبناء البحرين قادر على تحمل مسئولية بناء الوطن وتقدمه .


فهل نأمل أن يتحقق هذا الحلم في القريب العاجل ،سواء في البحرين أو في الدول ذات الكثافة السكانية الكبير مثل مصر والسودان ووغيرهم من الدول العربية حتى نحقق نحقق الهدف من قول الرسول الكريم ، عندما دعا هذا الدعاء ." اللهم أنى أعوذ بك من جهد البلاء، قيل له: وما جهد البلاء يا رسول الله، قال: قلة المال وكثرة العيال "

 

 



شبكة Gulf 24 منصة إعلامية متميزة تغطى أخبار دول مجلس التعاون الخليجي والوطن العربي والعالم تضم بين صفحاتها الرقمية وأبوابها المتنوعة كل ما تحتاجه لتصبح قريباً من ميدان الحدث حيث نوافيك على مدار الساعة بالخبر والتحليل ونسعى أن نصبح نافذتك إلاخبارية التى تمنحك رؤية راصدة تجعل العالم بين يديك ومهما كانت افكارك واهتماماتك. سواء في حقل السياسية، الاقتصاد، الثقافة

جميع الحقوق محفوظه لشبكه Gulf 24 الاخبارية

Gulf 24 © Copyright 2018, All Rights Reserved